تاريخ واثار

أسباب توجه الفتوحات العثمانية نحو الشرق

الفتوحات العثمانية في البلاد العربية (المشرق العربي ) السلطان سليم الأول بن بايزيد الثاني ١٥١٢-١٥٢٠م

السلطان سليم الأول وأسباب التوجه نحو الشرق.

ولد السلطان سليم الأول بن بايزيد الثاني في ١٤٨٠م وتولي الحكم في ١٥١٢م كان محبوبا عند الإنكشارية، وجاء تعيينه بمساعيهم ولذلك وزع عليهم المكافآت فاعطي لكل جندي منهم خمسون دوقة من الذهب ، ثم عين إبنه سليمان حاكما علي مدينة إسلامبول .

كان سليم مولعا بالشعر وخصوصا بالفارسية ، وكان محبا لرجال الأدب والفقه وكانت تستهويه قراءة كتب التاريخ وخصوصا التي تتناول تاريخ إسكندر المقدوني ويوليوس قيصر.

كان سليم شديد الوطأة علي الخونة من وزرائه لمجرد الشبهة لدرجة أن الأوربيين كانوا يطلقون عليه (الوحش أو المفترس) أما العثمانيون فيطلقون عليه (الحاد العنيد الصلب الذي لا يلين) .

تفرغ سليم في بداية حكمه للتخلص من إخوته وأبناء إخوته لتدعيم سلطانه فبعد أن عين إبنه سليمان علي إسلامبول سافر بجيوشه إلي آسيا مقتفيا أثر أخوه احمد الذي التجأ إلي الشاه إسماعيل الصفوي عاهل فارس ، ودارت معركة بين الأخوين في (اسكي شهر) ١٥١٣م ، هزم فيها احمد ووقع اسيرا ثم قتله سليم. ثم واصل سليم تعقب بقية أخوته فقتل – قرقد – في صاروخان بعد أن هرب منه في الجبال وعثر عليه بعد بضعة اسابيع .

ولم يهدأ سليم حتي تخلص من أبناء أخوته المعارضين له وكان عددهم عشرة أمراء واصل مطاردتهم ونجح في القبض عليهم جميعا وتم إعدامهم جميعا تأمينا لعرشه ولم يبق سوي إبنه الوحيد سليمان .

لم يباشر سليم اي حروب في أوروبا واكتفي بتجديد المعاهدات وإبرام الهدن مع البندقية والمجر ، وموسكو، ولم يطلب زيادة في الجزية وساد في عهده الهدوء علي الجبهة الأوربية.

مع بداية عهد سليم مطلع القرن السادس عشر الميلادي كان يوجد ثلاث دول كبري في العالم الإسلامي هما :-

الدولة الأولي- الدولة المملوكية في مصر والشام وكانت لها السيادة علي مصر والشام والحجاز واليمن وعاشت هذه الدولة أكثر من قرنين ونصف من الزمان (١٢٥٠- ١٥١٧م) حامية للعالم الإسلامي من خطر المغول حيث ردت عاديتهم في عين جالوت ١٢٦٠م ، ثم حمته من الخطر الصليبي حينما ردتهم علي بيت المقدس في ١٢٩١م وطرت الصليبين منها .

كما استطاعت هذه الدولة أن تحمي حدودها في مصر والشام من قراصنة الفرنجة الذين دأبوا علي مهاجمة السواحل الإسلامية المطلة علي البحر المتوسط وقام سلاطين الدولة المملوكية بردع هؤلاء القراصنة تارة بالتهديد بإغلاق كنيسة القيامة بالقدس ، واعتقال رعاياها مرة أخري .

كما تمكنت هذه الدولة من حماية البحر الأحمر وتحصين المواني المطلة عليه ضد أي خطر أجنبي ، كما جعلت منه بحيرة إسلامية لا يرتادها غير المسلمين ولا يمر في هذا البحر سوي السفن الإسلامية .

كما واجهت هذه الدولة بجيوشها الإستعمار البرتغالي للممالك الإسلامية في ساحل الملابار في الهند في سنتي ١٥٠٨- ١٥٠٩م في شول وديو، ولما علم سلطانها الغوري من خلال رسالة وقعت في يديه من جواسيس البرتغال فحواها أن(عمانويل) ملك البرتغال قد اتصل بالملكة(هلين) ملكة الحبشة وينويان التعاون سويا من أجل دخول البحر الأحمر والإستيلاء علي الأماكن الإسلامية المقدسة ونبش قبر الرسول محمد صل الله عليه وسلم، قام الغوري ببناء سور حول مدينة جدة ليحول دون ذلك ، وكان الغوري يشارك في البناء بنفسه كما صرف عليه من أمواله الخاصة .[1]

هذا فضلا عن التراث الحضاري والمعماري الذي خلفته الدولة المملوكية للعالم الإسلامي، هذا فضلا عن كونها دولة الخلافة الإسلامية رسميا وقتذاك .

والدولة الثانية:- كانت الدولة العثمانية الفتية التي كسرت شوكة أوروبا الشرقية وبلاد البلقان ودانت لها الجبهات الأسيوية والأوروبية بالولاء .

أما الدولة الثالثة :- فهي الدولة الصفوية في بلاد فارس التي قامت علي أساس ديني ومؤسس هذه الدولة هو إسماعيل الصفوي بن الشيخ حيدر الذي ينتهي نسبه إلي الشيخ صفي الدين الأردبيلي نسبة إلي أردابيل .[2]

أسباب توجه سليم الأول نحو الشرق.

وقد حكم إسماعيل ما بين ١٥٠٠- ١٥٢٤م ما يسمي الآن (بايران) وكان يرمي إلي إيجاد دولة شيعية موحدة مستعينا بعناصر الترك من الأناضول وسوريا، واستولي علي تبريز واتخذها عاصمة له ، كما اتخذ التشيع مذهبا رسميا لدولته . [3]

ولما كانت العراق مركزا للأئمة الشيعية فضلا عن كونها مركزا تجاريا حيويا فتحها إسماعيل الصفوي في ١٥٠٨م ودخل بغداد وبسط المذهب الشيعي فيها وبذلك تاخمت الدولة الصفوية الدولة العثمانية، هذا فضلا عن مؤازرة الصفوي للأمير أحمد أخو السلطان سليم عندنا فر إليه ، كما ارسل الصفوي وفدا إلي الغوري للتحالف بينهما ضد سليم لوقف الزحف العثماني في آسيا وقهره قبل توجهه إليهما كلا علي حدة وقهرهما .

زد علي ذلك قيام السلطان سليم بحصر عدد الشيعة المنتشرين في الولايات المتاخمة لبلاد العجم بطريقة سرية وأمر تقبلهم جميعا ويقال أن عددهم كان يبلغ الأربعين ألفا.

ورد عليه إسماعيل الصفوي بنذبحة للسنة في بلاده ، كما عمل الصفوي علي بث المذهب الشيعي في بلاد الأناضول علي حساب المذهب السني وهو مذهب الدولة العثمانية معتمدا علي الأقليات الصفوية المنتشرة في الأناضول للقيام بثورة ضد الحكم العثماني السني .

ما ذكر كان أحد الأسباب القوية لتوجه الفتوحات العثمانية نحو المشرق العربي وتغيير إستراتيجية الدولة العثمانية من الزحف نحو الغرب والتوجه إلي الشرق .

ونستطيع أن نضيف أسبابا أخري إلي هذا التفاقم الأيديولوجي والحدودي بين الصفويين والعثمانيين .

كرغبة الدولة العثمانية- سليم الأول- في زعامة العالم الإسلامي وكذلك تأمين حدود دولته من الشرق والجنوب مع دولتين كبيرتين هما الدولة الصفوية والدولة المملوكية خصوصا وأن العلاقات بين هذه الدول والدولة العثمانية بسبب الحدود وإيواء الفارين من أمراء الدولة العثمانية وصلت إلي مرحلة من التوتر الشديد الذي كان ينذر بقرب الصدام المسلح ، هذا علي الرغم من مظاهر الود المشوب الحذر الذي تمثل في تبادل الهدايا بين هذه الدول، غير أن هذه المجاملات الدبلوماسية لم تنه أسباب النزاع بين الدول الإسلامية وبالتحديد بين المماليك والعثمانيين.

ومن الجدير بالذكر أن العلاقات العثمانية المملوكية لم تسر علي وتيرة واحدة حيث تأرجحت بين الود تارة والعداء تارة أخري .

فمن المودة بينهما ما ذكره ابن إياس في أحداث ٩١٦هـ / ١٥١٠م .

  • حيث أرسل السلطان بايزيد الثاني عدة مراكب للسلطان الغوري لمساعدته في حرب البرتغاليين في المحيط الهندي .
  • كما أرسل السلطان الغوري الأمير أقباي الطويل إلي سليم الأول ليهنئه بالملك في ١٥١٢م .[4]
  • ومنها ما قام به السلطان المملوكي اينال العلائي بإقامة الزينات في القاهرة بمناسبة فتح القسطنطينية، وإرسال وفود للتهنئة للسلطان الفاتح في القسطنطينية يحمل الهدايا القيمة في ١٤٥٦ م .

لكن ما مضي لم يمنع من الصدامات الحربية بين الدولتين بسبب :-

  • بسبب مناصرة قايتباي السلطان المملوكي للأمير العثماني جم المنشق علي أخيه بايزيد الثاني مما حدا بالأخير بمناصرة (علي دولات ) أمير إمارة (ذي الغار ) من جانب الدولة المملوكية، وكان قد انشق وتمرد علي السلطان المملوكي قايتباي وادي ذلك إلي التصادم العسكري بين الدولتين في قيسارية سنة ١٤٨١م وهزمت الدولة العثمانية ووصل عدد القتلي في الجانب العثماني إلي أربعين ألف قتيل .
  • كانت مسألة الخلاف علي الحدود وتأمينها وسياسة الدولة المملوكية تجاه الفارين من الأمراء العثمانيين ، وتحالفها مع الدولة الصفوية ضد الدولة العثمانية هذا التحالف الذي لم يسفر عن أي شيء سوي إعلاء للعداء السلبي.

ونضيف أيضا الخلاف المذهبي مع الصفويين، ثم رغبة السلطان سليم الاكيدة في زعامة العالم الإسلامي وإعلان إمبراطورية الدولة العثمانية التي دان لها الشرق الأوروبي وآسيا الصغري والاناضول ثم أخيرا – التشبع في الميدان الأوروبي حيث أصبحت حروب الدولة فيه حروبا دفاعية وليست هجومية وكانت مساحة معقولة للدولة التي عاصمتها في إسلامبول أن تتوقف حدودها غربا عند بودابست بالمجر .

النتائج التي ترتبت علي هذا التوجه العثماني نحو الشرق .

وقد تمحض عن هذا التوجه العثماني نحو الشرق عدة نتائج هي :-

  1. الوحدة السياسية للمشرق العربي الإسلامي بعد أن كان مجموعة دول إسلامية منذ ضعف بغداد عاصمة الدولة العباسية وتداعيها .
  2. الانعزال العالمي لهذه المنطقة سياسيا وإقتصاديا وفكريا منذ القرن السادس عشر وعقب سيطرة العثمانيون عليها وحتي القرن التاسع عشر الميلادي بحيث أصبحت هذه المنطقة تسير وفق أحداث محلية خاصة .[5]
  3. نشر المذهب السني في آسيا الصغري والعراق ومصر والشام ، وحصار المذهب الشيعي داخل إيران وحدها وأصبحت السنة تضارع الشيعة داخل العراق وتساويها.
  4. وقف الامتداد البرتغالي داخل البحار العربية وإنقاذ المشرق العربي من الخطر الأوروبي حتي القرن التاسع عشر الميلادي.

أدت هذه العوامل إلي التصادم الحربي بين سليم الأول وإسماعيل الصفوي في وادي جالديران في أغسطس ١٥١٤م حيث تلقي الصفوي هزيمة قاسية من العثمانيين ،واستولي سليم علي تبريز عاصمة الصفويين ،واستولي كذلك علي أمواله وإحدي نسائه التي زوجها لاحد كتابه ، وكذلك أرسل سليم أربعين شخصا من امهر الصناع في تبريز وارسلهم إلي إسلامبول وواصل سليم السير وراء إسماعيل لكن الشتاء أجبره علي تركه والعوده إلي الاستانه .

ثم فتحت جنوده العديد من البلاد في ديار بكر ثم أخذ في الإستعداد لفتح بلاد الشام ومصر التي هي تتمة لعملية السيطرة العثمانية علي العالم الإسلامي كله ولا يمكن أن تتم هذه السيطرة دون القضاء علي دولة المماليك الجراكسة التي تحوي مركز الخلافة السنية في مصر والشام والحجاز مركز الحرمين الشريفين ، هذا فضلا عن الرغبة الملحمة والأكيدة للدولة العثمانية في السيطرة علي منافذ البحار العربية كالخليج العربي والبحر الأحمر لأنها مفاتيح السيطرة علي العالم الإسلامي.

الفتح العثماني للشام ومصر .

الفتح العثماني للشام ومصر

قلنا أن العلاقات بين الدولتين لم تسر علي وتيرة واحدة وسردنا طرفا من مظاهر الود والتعاون فيما بينهما وطرفا آخر من أسباب التصادم العسكري.

وتلكأ سليم للغوري وخصوصا لسياسته غير الواضحة عندما تحالف مع الصفوي ضده دون نتيجة إيجابية فلا هو ناصر الصفوي عمليا ولا هو كسب ثقة العثمانيين وودهم ، ولكنه بمجرد علمه بتأهب سليم الأول لمحاربته أرسل إليه رسولا يعرض عليه أن يتوسط بينه وبين الصفوي لإبرام الصلح لكن سليم طرد الرسول المملوكي بعد إهانته وسار بجيشه قاصدا الشام.

وكان للدوله المملوكية في أقصي الشمال ببلاد الشام علي الحدود مع الصفويين والعثمانيين إمارة(ذي الغار ) وكان عليها (علي دولات ) الذي منع المؤن والمعونات عن الجيش العثماني أثناء حروبه مع الصفوي ورد عليهم سليم بقتل دولات والإستيلاء علي الإمارة ووقف الرقيق القادم إليهم من القوقاز عبر أراضيه والنظام المملوكي يستمد قوته من جلب الرقيق من سيركاسيا بين البحر الاسود وبحر قزوين ، ومنع الغوري الهدايا المرسلة من الهند إلي الأستانة.

اشتعل الموقف وأنذر بالحرب واستخدم سليم حيله ودهائه مع الغوري كما استخدم المراسلات السرية مع احد قادة الجيش المملوكي وهو خاير بك نائب حلب .

في أغسطس ١٥١٦م اشتبك الجيشان في مرج دابق قرب حلب لكن خيانة خاير بك وجان يردي الغزالي واتصالهما السري بسليم الأول هذا فضلا عن وعورة المدفعية العثمانية، ثم الخلاف الشديد بين الفرق الأساسية للجيش المملوكي وهما القراصنة والجلبان ، كل ذلك أدي إلي هزيمة الغوري ومات الغوري كمدا في المعركة ولم يعثر له علي جثته .

استولي العثمانيون علي بلاد الشام -حلب وحماة -وحمص ، ودمشق وقدم الأهالي لسليم فروض الولاء والطاعة فآمنهم وثبتهم علي أملاكهم ودعوا بإسمه في خطبة الجمعة ولقبوه (خادم الحرمين الشريفين ) .

تولي الشاب طومان باي أمر السلطنة في أحلك لحظاتها عسكريا وماديا ، وكانت أسوأ سلطنة يمكن قبولها في هذا الوقت لكن طومان باي الورع التقي العادل الذي لم يستمر في الحكم أكثر من ثلاثة أشهر قد بذل جهدا جبارا وخارقا لملاقات سليم والدفاع عن سلطنته. [6]

استولي العثمانيون علي غزة في ديسمبر ١٥١٦م أثناء قدومهم إلي مصر وهزموا الجيش الذي كان يقوده جان بردي الغزالي (الخائن ) وعند الريدانية(بين المطرية والجبل الأحمر ) التقي الجيشان في ٢٢ من يناير ١٥١٧م وانهزم الجيش المملوكي بفعل خيانة الغزالي وأمثاله ودخل العثمانيون القاهرة، وحاول طومان باي ردهم وعسكر لهم في الجبهة الغربية للنيل ببر الجيزة وخاض ضدهم عدة معارك لكن الغلبة في النهاية كانت لسليم .

وانتهت المعارك بشنق طومان باي علي باب زويلة بسبب الخيانة أيضا وذلك في أبريل ١٥١٧م وزالت دولة المماليك من مسرح الأحداث إلي كتب التاريخ ، وإن بقي الجنس المملوكي خادما حتي أصبحت له الكلمة المسموعة والنفوذ السياسي والاقتصادي في مصر إبان الحكم العثماني وذلك في القرن الثامن عشر الميلادي، ورتب سليم امورة في مصر خلال بضعة أشهر قضاها فيها ثم عاد إلي بلاده وهو يلقب (بخادم الحرمين الشريفين وقاهر الجيشين وملك البرين والبحرين وسلطان العراقيين ) .

مسألة الخلافة العثمانية واختلاف المؤرخين فيها.

بعدما نجح سليم الأول في القضاء علي دولة الخلافة الإسلامية في مصر والشام اختلف المؤرخين حول مسألة تنازل الخليفة المتوكل علي الله للسلطان سليم لتضفي الشريعة العثمانية علي العالم الإسلامي والقضية أثيرت عندما ذكر المؤرخ الروماني دبنوؤن – أن سليم الأول اخذ من المتوكل تنازلا بالخلافة ، كما ذكر أنه اخذ منه شعائر الخلافة التي كانت مودعه في القاهرة وهي بردة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبعض شعرات من لحيته صل الله عليه وسلم وسيف لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ومنذ ذلك نقلت الخلافة إلي العثمانيين. وهذه الشعائر ما زالت موجوده في اسلامبول حتي الآن .

لكن الواقع أن الخليفة العباسي المتوكل علي الله كان في صحبة السلطان الغوري أثناء مرج دابق ولما هزم الغوري ومات انتقل المتوكل لمعسكر سليم الأول فاكرم وفادته وزاد عطاياه ودخل معه مصر في الريدانية وبعد النصر علي طومان باي الذي كان قد فوضه بالخلافة والد المتوكل الذي كان لا يزال في القاهرة .

اسبغ سليم أثناء وجوده في مصر نعمه علي المتوكل فداخله الغرور وبدرت منه تصرفات لا تليق بالمقام الرفيع الذي يحمله فنقله سليم معه إلي الآستانة فإنشغل المتوكل بالجواري والمجون فحبسه سليم فظل محبوسا حتي توفي سليم في ١٥٢٠ م فأفرج عنه سليمان وأعاده إلي مصر .

وفي مصر لعب المتوكل دورا مع احمد باشا والي مصر حينما فوضه المتوكل في ١٥٢٣م سلطانا وبذلك آثار حفيظة السلطان العثماني سليمان عليه وقتل احمد باشا وأخمدت فتنته علي يد الجيش العثماني، ولم يعاقب سليمان المتوكل علي ذلك ، وظل المتوكل مهملا حتي مات في ١٥٤٣م .

وقصة الخلافة عند العثمانيين في بداية الدولة لم تكن ذات بال ، فلقد عرف المسلمون من قبل تعدد الخلفاء ، وكانت الخلافة في ذلك الوقت قد فقدت قيمتها ولم تزد عن مجرد رمز للتبرك ، وفي الوقت الذي كا كل إعتماد العثمانيين علي قوتهم العسكرية والدينية فحسب ، ولم تظهر حاجة الدولة إلي هذا اللقب إلا في القرن الثامن عشر الميلادي وطلع التاسع عشر عندما تزايدت أطماع الدول الأوروبية في أملاك الدولة العثمانية إبان إضمحلالها وتدهورها هذا فضلا عن تعدد الحركات الإنفصالية والقومية والدستورية ضد الدولة العثمانية من داخل إيالاتها .

ولم يظهر لقب خليفة رسميا لدي سلاطين آل عثمان إلا في المعاهدة الروسية العثمانية في ١٧٧٤م كنشك جينارجي فالواقع أن العثمانيين كانوا قادة العالم الإسلامي بحق السيف حتي مصر التي كانت مقر الخلافة دانت لهم بالسيف فما حاجتهم إلي هذا التنازل إن أرادوها ؟

لقد اهتم سلاطين آل عثمان بلقب (خادم الحرمين الشريفين ) لكنهم لم يبدوا إهتمامهم بلقب خليفة إلا في القرن الثامن عشر الميلادي وكان ذلك إلصاق متعمد وهادف حتي يصبح للسلطان العثماني لقب ديني وهو الخليفة ولقب مدني هو السلطان والأهم والأقوي من هذا كله الإعتقاد الجازم لدي المسلمين كافة والدول الأوربية عامة بشرعية الخلافة العثمانية حيث نظر الجميع إلي السلطان العثماني علي أنه خليفة المسلمين بلا منازع.

والمؤرخون المصريون المسلمون المعاصرون للفتح العثماني كإبن أياس وغيره لم يذكروا شيئا البته عن هذا التنازل ولو حدث لأطنبوا فيه .

ولقد الغي السلطنة مصطفي كمال أتاتورك في نوفمبر ١٩٢٢م ثم أرجأ إلغاء الخلافة حتي مارس ١٩٢٤م بعد أن أعلن الجمهورية التركية في آخر أكتوبر ١٩٢٣م وأعلن نفسه رئيسا للجمهورية التركية.

وكان هذا التدرج هو الخوف من التيار الإسلامي الجارف لهذه التصرفات غير الإسلامية، وخشي أتاتورك الذي ارتدي ثوب العلمانية الغربية من أن وجود الخلافة -بإيعاز من الغرب – سوف يتعارض مع الجمهورية التركية القائمة علي أسس غربية معادية للشريعة الإسلامية.

فتح الحجاز .

بسقوط دولة الخلافة المملوكية في مصر سقطت الحجاز تلقائيا للعثمانيين. فالحجاز كان يتبع مصر تبعية تلقائية ، ففي اغلب فترات التاريخ في العصور الوسطي كان لمصر السيادة علي الحجاز كعمق إستراتيجي عسكري من الشرق في جنوب الشام وشمال البحر الأحمر، هذا فضلا عن مركز مصر الديني واهتمامها بقوافل الحجاج الوافده من المغرب العربي ووسط أفريقيا وهي وحدها المسئولة عن هذه المهمة وحراستها حتي أداء الفريضة في بلاد الحجاز والعودة ، كما كان في مصر الكثير من الاوقاف المحبوسة علي فقراء مكة والمدينة المنورة وكذلك للحرمين الشريفين، وكانت بلاد الحجاز بلاد فقيرة وتعتمد علي قوافل الحج وخصوصا المصرية.

ولا يفهم مما سبق أن هذه التبعية التلقائية هي نوعا من السيطرة المفروضة علي الحجاز بل هي سيادة تكلف مصر أكثر مما تتكلف الحجاز بكثير .

وبمعني أدق كان الحجاز يرتبط بمصر كبلد ، وليس بحكوماته وهذا الذي نقصده من هذه التبعية التلقائية ولذلك لما سقطت مصر في أيدي العثمانيين أرسل الشريف بركات ولده أبوغي بمفاتيح الحرمين الشريفين إلي السلطان سليم الأول في القاهرة ليعلن تبعية الحجاز للدولة العثمانية وأعطاه سليم تفويضا بحكم والده للحجاز تحت السيادة العثمانية.

الفتح العثماني لليمن ١٥٣٨ م .

كان دخول اليمن في بادئ الأمر تحت الحكم العثماني سلميا كالحجاز وذلك في ١٥٣٨- ١٦٣٥م حيث كانت اليمن تمثل إحدي الإيالات الأربعة عشر التي كانت تتألف منها البلاد العربية التابعة للدولة العثمانية.[7]

وكانت بلاد اليمن تتنازعها قوي العثمانيين مع الأئمة الزيدية لكن السلطان سليم الأول في بادئ الأمر اكتفي بإبقاء الجركس إسكندر- الذي كان واليا عليها من جانب المماليك وأمره أن يتزيا بزي الأتراك ، وأن تكون السكة والخطبة بإسم سليم الأول ، وسمي إسكندر الجركسي بالمخضرم لتوليه علي اليمن عهدي الجراكسة وبداية العثمانيين.

لكن الرومي- كمال أحد قادة المماليك الجراكسة هناك قتل المخضرم وتولي مكانه ، كما قتل كمال الرومي – وتولي قائد جركسي آخر اسمه إسكندر بك القرماني ، وظلت الخلافات قائمة بين قادة علي الولاية كعادتهم حتي وصلت حملة سليمان الخادم في ١٥٣٨م .

والواقع أن حملة سليمان الخادم علي اليمن في أغسطس ١٥٣٨م كانت أول حملة رئيسية إلي اليمن وتعتبر بداية المجهود العثماني الحربي الحقيقي في هذا الميدان وكانت حملة كبيرة تتألف من ثمانين سفينة تم بناؤها في مصر لكن الخادم كان سفاكا للدماء تجاوز الثمانين من عمره .

فعندما وصلت الحملة كانت عدن في حوزة عامر بن داود الطاهري وكانت له حروب طويلة مع الإمام شرف الدين الزيدي زعيم الزيدية فاستنصر الطاهري بالخادم ضد الزيدي في مقابل مساعدة الخادم ضد البرتغاليين وفتح أبواب عدن للعثمانيين.

لكن الخادم لم ينس طبعه وقتل الطاهري وعاثت جنوده في عدن فسادا مما اثار القبائل اليمنية علي العثمانيين، لكن الدولة أخمدت هذه الثورات .

عاد سليمان الخادم إلي مصر وولي مصطفي غزة – والوالي العثماني علي اليمن واتخذ هذا الوالي مدينة زين مركزا لولايته لكن الصراع ظل مستمرا بين الزيديين والعثمانيين ولم يهنأ الوجود العثماني في اليمن بالراحة إلي أن تم ترحيل العثمانيين جميعا من اليمن إلي بلادهم في نهاية عام ١٦٣٥م بعد مضي قرن من الزمان تقريبا .[8]

لم يذكر للعثمانيين أثناء تواجدهم في اليمن أنهم حرصوا علي حماية الثغور اليمنية من عدوان البحرية البرتغالية وقاموا بتأمين الأماكن الإسلامية لمقدمة من التهديد الصليبي، كما أنهم حالوا بين اليمن والجزيرة العربية من التدخل الأوروبي فحاربوا الإنجليز والبرتغاليين وذلك في القرن السادس عشر الميلادي إبان قوة الدولة العثمانية.

وبعد رحيل العثمانيين عن اليمن في ١٦٣٥م تمتعت البلاد اليمنية باستقلالها قرنين من الزمان تحت حكم الأئمة الزيدية ، لكن العثمانيين عادوا إلي اليمن وسيطروا عليها في ١٨٧٢م وذلك بعد إخماد الحركة الوهابية في الحجاز واستنجاد بعض اليمنيين بالعثمانيين لإقرار الأموال في البلاد من صراع الآثمة وغارات القبائل التي أشاعت الفوضي والإضطراب في اليمن علي اننا ننوه أنه وجدت قبائل يمنية بأكملها لم تخضع للحكم العثماني وأن كانت تابعة من الناحية الأسمية.[9]

الفتح العثماني للخليج العربي .

نجح العثمانيون في انتزاع مسقط من البرتغاليين ونفذوا إلي الخليج العربي وبسطوا سيادتهم علي عمان والأحساء والبحرين والكويت وإن كانت سيادة إسمية، لأن مشايخ أمراء القبائل العربية كانت لهم السيطرة علي هذه المناطق واحتفظوا بإستقلالهم فيها .

وقام العثمانيون بعدة حملات إلي ساحل الهند لمساعدة المسلمين هناك واستولوا علي عدد كبير من السفن البرتغالية ، واستطاع سليمان الخادم بالتعاون مع القوات الإسلامية في الهند أن يضرب الحصار علي قلعة ديو علي ساحل الملابار حتى كادت تسقط في أيديهم لولا وصول الإمدادات البرتغالية من ناحية ، وعدم ثقة المسلمين الهنود به من ناحية أخري بعد سماعهم بغدره في اليمن .

الفتح العثماني للعراق ١٥٣٤م .

بعد حملة سليم الأول في ١٥١٤م ودخوله تبريز عاصمة الدولة الفارسية اكتفت السياسة العثمانية بمحاصرة الفرس ، ولم يخضع العراق كله للحكم العثماني، حيث خضعت الموصل وديار بكر في الشمال .

أما العراق الأوسط والجنوبي فقد ظل في أيدي الإيرانيين حتي ١٥٣٤م [10] حتي قاد السلطان سليمان المشرع بنفسه جيشا عثمانيا وقضي علي المتمردين الذين ساعدوا شاه إيران(الفرس) ضد العثمانيين ونجح في دخول تبريز عاصمة الفرس ،وقضي فيها أربعة أشهر رتب فيها الإدارة الداخلية وضم البصرة سلميا وأصبح العراق شماله وجنوبه يخضع للحكم العثماني.

وكان الفرس قد أجروا مفاوضات مع ملك المجر للتعاون سويا ضد الدولة العثمانية عدوها المشترك مما دفع سليمان المشرع إلي إعدام الأسري الفرس الذين كانوا معتقلين داخل الدولة العثمانية كما دفعه إلي إحتلال العراق وتدعيم الحكم العثماني فيه ثم الإستيلاء علي تبريز وتنظيم الإدارة الداخلية لها .

وكانت السنة في العراق تطلب التدخل العثماني بصفة مستمرة لإنقاذهم من الحكم الشيعي .

ويذكر لسليمان المشرع حرصه علي المشاعر الدينية للشيعة باعتباره سلطانا سنيا فعندما خرج من بغداد زار أضرحة الشيعة في النجف (قبر الإمام علي) وفي كربلاء (قبر الإمام الحسين) كما أوقف عليها أوقاقا وبني سدا حول كربلاء لحماية الأماكن المقدسة بها من الفيضانات وسميت بالسليمانية نسبة إلي سليمان .[11]

ومن الجدير بالذكر أن هذا الفتح العثماني للعراق لم ينه الخلاف أو النزاع الفارسي العثماني حول العراق الذي استمر بينهما حتي العقد الرابع من القرن الثامن عشر الميلادي.

وفي ١٧٤٧م عقد الصلح بين فارس والدولة العثمانية حول الحدود التقليدية مع دخول العراق في نطاق الإمبراطورية العثمانية وكان هذا الصلح هو نهاية الصراع الفارسي (الإيراني ) العثماني حول العراق .

وكان للعثمانيون علي عهد السلطان سليمان المشرع نشاط بحري في منطقة الخليج العربي حيث نجحت أساطيله في انتزاع مسقط من البرتغاليين وحاصرت هرمز في مدخل الخليج العربي واتصلوا بالإمارات العربية علي الخليج مثل عمان والأحساء والبحرين والكويت ، لكن العثمانيين فشلوا في تحطيم قوة البرتغاليين والقضاء عليها نهائيا في البحار الشرقية فتخلوا عن سياسة محاربتهم في المحيط الهندي في ١٥٥٤م لكنهم نجحوا منذ هذا التاريخ في جعل اليمن قاعدة عسكرية للدفاع عن البحر الأحمر وجعله بحرا إسلاميا مغلقا يحرم علي السفن غير الإسلامية الإبحار فيه .

فتح مصوع وسواكن(شرق أفريقيا ) .

وعلي الشاطئ العربي للبحر الأحمر (شرق أفريقيا ) ، نجح العثمانيون في عهد سليمان المشرع وبالتحديد في ١٥٥٧م أن يستغلوا الحرب الأهلية التي نشبت بين الكاثوليك والأرثوذكسي في الحبشة حيث أراد الكاثوليك فصل الاقباط الأرثوذكسي عن كنيسة مصر وتحويلها إلي كنيسة روما الكاثوليكية لكن جموع الجماهير في الحبشة عارضت هذا الإتجاه الإنفصالي ونشبت حرب أهلية بسبب ذلك، وإبان ذلك أرسل السلطان جيشا عثمانيا إلي سواكن[12] ومصوع[13] واستولت عليهما وبسط العثمانيون نفوذهم علي الشاطئ الشرقي لأفريقيا وإن لم يتوغلوا داخل القارة .

فتح دول المغرب العربي (ليبيا وتونس والجزائر ) .

فلقد خضعت هذه الدول العثمانية سلميا بعكس المشرق العربي الذي أرهق الجيش العثماني بمقاوماته العنيدة فلقد رحب أهالي المغرب العربي بالعثمانيين الذين انقذوهم من القرصنة الاسبانية علي الساحل الشمالي لأفريقيا .

وإستيلائهم علي بعض القلاع العربية بعد سقوط آخر معاقل المسلمين(غرناطة ) في الأندلس ١٤٩٢م ، واضطهاد الأسبان للمسلمين في ديارهم بالقتل والتنصر والطرد .

كان الاخويين بن عروج وخير الدين (باربروسا) أي صاحب اللحية الصهباء[14] كانا قد كونا إمارة مستقلة في (جربة) واتخذ منها قاعدة بحرية لجمع المتطوعين والسفن لمعاونته في طرد الأسبان فتمكن (عروج) من خلع حاكم الجزائر وحل محله ، ولما مات حل محله أخوه خير الدين وطلب مساعدة السلطان العثماني في طرد الأسبان من شمال أفريقيا فتدفقت التعزيزات العثمانية من جانب السلطان سليم الأول عليهما، ومنح خير الدين لقب (بك بكوات أفريقيا ) وقام خير الدين بإرسال إحدي السفن المسيحية المأسورة إلي سليم الأول إظهارا لخصوعه لسلطانه فخلع عليه سليم خلعا سنيا وأرسل إليه عشر سفن ليستعين بها علي غزو مراكب الاسبان .

وقام الاخوان بفتح مدينة الجزائر واخذها من الاسبان وفتح مدينة تلمسان وصار هذا الإقليم ولاية عثمانية يدعي فيه في خطبة الجمعة بإسم السلطان سليم وتضرب النقود بإسمه.

واستمر خير الدين في عزو مراكب الأسبان والطليان والفرنسيين ، وفي عهد سليمان المشرع الذي استعدي خيرالدين إلي إسلامبول وأكرم وفادته وأمده بالمراكب اللازمه لفتح إقليم تونس ، فتم له ذلك في أوائل عام ١٥٣٥م واستولي علي ثغرها المسمي [15] -حلق الوادي – بدون كثير عناء وذلك كله بإسم السلطان العثماني، لكن الأسبان استعادوها في يوليو ١٥٣٥م ونجح سنان باشا في ١٥٧٤م في استردادها نهائيا للعثمانيين وقد استطاع (دراغوث) الذي خلف خيرالدين برباروسا- بعد وفاته أن يستولي علي طرابلس(ليبيا الآن) ويطرد منها فرسان القديس يوحنا في ١٥٥١م .[16]

sozana

كاتب لدى موقع المسافر نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

عفوا قم بتعطيل مانع الاعلانات لتتمكن من استخدام الموقع