خلافة أبي العباس عبدالله بن محمد ١٣٢- ١٣٦هـ أول الخلفاء العباسيين
خلافة أبي العباس عبدالله - أول الخلفاء العباسيين

بويع أبي العباس بالخلافة في الكوفة في ربيع الأول من سنة ١٣٢هـ غير انه لم يتخذها مركزا للدولة، ونزل في موضع بالقرب منها عرف بهاشمية الكوفة ، ثم انتقل إلي الحيرة ومنها إلي الأنبار سنة ١٣٤هـ حيث أمر ببناء مدينة عرفت بهاشمية الأنبار .
وكان علي بن أبي العباس مواجهة جيوش مروان بن محمد في الشام ويزيد بن هبيرة في واسط ، وكان مروان قد أرسل جيشا بقيادة ولده عبدالله، فدارت بينه وبين العباسيين معركة كبيرة عند شهر زور تراجع علي أثرها عبدالله فأسرع مروان لنجدته ، فقرر ابو العباس إسناد قيادة الجيش العباسي إلي عمه عبدالله بن علي .
وفي جماد الآخر سنة ١٣٢هـ التقي الجيشان علي نهر الزاب الكبير حيث دارت معركة حاسمة ، انتهت بإنتصار العباسيين ، وقد كان للعصبية القبلية أثرها الواضح في إضعاف الجيش الأموي وهزيمته في المعركة .
بالإضافة إلي الخطأ الذي إرتكبه مروان عند عبوره النهر، حيث قطع خط رجعته وغرق قسم كبير من جيشه ، وظل مروان يهرب من مدينة إلي أخري بين الجزيرة والشام ومصر حتي قتل في السابع والعشرين من ذي الحجة سنة ١٣٢هـ في قرية بوصير بالأشمونيين من مصر الوسطي .
ولم يبق أمام أبي العباس سوي القضاء علي آخر مقاومة للأمويين والتي كانت تتمثل بيزيد بن هبيرة الذي تحصن بواسط، فأرسل أخاه أبا جعفر المنصور للإشراف علي الحصار الذي كان يفرضه الحسن بن قحطبة ، وقد حاول ابن هبيرة استثارة العلويين وحثهم علي طلب الخلافة بعد مقتل مروان ليزيد من مشاكل العباسيين ويدفع اليمانية الذين كانوا في واسط إلي التضامن معه لمقاومة حصار العباسيين ، فبادر ابو جعفر إلي مراسلة اليمانية وكتب إليهم يقول: (السلطان سلطانكم والدولة دولتكم ) ، كما عمد إلي مراسلة قادة جيش ابن هبيرة ورؤساء القبائل وأطمعهم ( ويعرفهم أنصران دولة بني أمية فأجابوه جميعا ) .
وقد أحدثت سياسة أبي جعفر تصدعا في جيش ابن هبيرة الذي تخاذل عن القتال ، مما اضطر ابن هبيرة إلي طلب الصلح ومنحه الأمان ، فوافق أبو جعفر علي ذلك ، إلا أنه مت لبث أن نقض العهد وقتله بأمر من الخليفة أبي العباس، وتؤكد المصادر التاريخية أن أبا مسلم حرص الخليفة علي التخلص من أبي هبيرة وكتب إليه يقول: (لا والله لا يصلح طريق فيه ابن هبيرة ) فتردد ابو جعفر في قتله ، فألح عليه ابو العباس وكثرت كتبه بذلك، فاضطر ابو جعفر إلي تنفيذ أمر الخليفة وأرسل من قتل يزيد بن هبيرة مع بعض أبنائه .
وبعد أن استتبت الأمور لأبي العباس ، انصرف إلي تنظيم شؤون دولته فشرع بتسمية ولاته علي الأمصار، فعين أخاه أبو جعفر المنصور علي الجزيرة وأرمينية وأذربيجان ووزع المناصب علي أعمامه .
فجعل داود ابن علي واليا علي الحجاز واليمن واليمامة .
وعبد الله بن علي علي بلاد الشام .
وسليمان بن علي علي البصرة وتوابعها البحرين وعمان .
وجعل إسماعيل بن علي واليا علي إقليم الإحواز وأعمالها .
في حين عين ابا مسلم الخراساني علي خراسان .
وأبا العون علي مصر وشمال أفريقيا .
وقد أطلق ابي العباس العنان لعمه عبدالله بن علي والي الشام في مطاردة الأمويين والفتك بهم ، فقتل عبدالله كل من ظفر به منهم في دمشق، وارتكب انواع الفظائع، وأمر بنبش قبور خلفائهم ليمحوا آثارهم من الوجود ، ثم أقدم عبدالله علي قتل حوالي ثمانين من رؤساء بني أمية عند نهر أبي فطرس بين فلسطين والأردن بعد أن وعدهم بالعفو والعطايا، فاستحق لذلك أن يطلق عليه الناس لقب السفاح .
التخلص من أبي سلمة الخلال
بدأ ابو العباس يخطط للتخلص من وزيره أبي سلمة الخلال الذي حاول نقل الخلافة إلي العلويين ، وتذهب بعض المصادر العربية إلي القول بأن ابا العباس كان صاحب فكرة قتل أبي سلمة ، وإن أبا مسلم الخراساني كان المنفذ لها .
إلا أن الدينوري روي أن أبا مسلم لما علم بأن الخليفة( ولي أبا سلمة جميع ما وراء بابه وجعله وزيره واسند إليه جميع أموره ، أرسل أحد قواده وأمره بقتل الخلال ) .
أما المسعودي فيذكر:- ان أبا مسلم الخراساني لما سمع بخيانة الخلال اشار علي الخليفة بقتله لأنه ( نكث وغير وبدل) ، إلا أن الخليفة لم يقدم علي قتله ، فطلب ابو مسلم من داود بن علي وابي جعفر حث أبا العباس علي قتل الخلال إلا أن الخليفة رفض ذلك وقال ( ما كنت لأفسد كثير إحسانه وعظيم بلائه…بزلة كانت منه ) ولما سمع أبا مسلم برأي الخليفة ( خاف من ناحية ابي سلمة أن يقصده بالمكروه فوجه جماعة من ثقات أصحابه في أعمال الحيلة في قتل أبي سلمة ) .
والواقع أن أبا العباس لم يعد يطمئن إلي ابي سلمة بعد الذي ظهر منه في أعقاب وفاة أبراهيم الإمام وسعيه إلي تحويل الإمامة إلي العلويين، فبعد أن نودي بالخلال وزيرا لآل محمد أصبح يشكل خطرا علي الخليفة لأنه لم يكن مدينا بهذا المنصب لابا العباس، وقد اشار ابن قتيبه إلي ذلك فقال: (وكان ابو سلمة يظهر الإدلال والقدرة علي أمير المؤمنين ) ، لذلك كان لا بد لأبي العباس أن يتخلص من الخلال ، فأوعز إلي أبي مسلم بقتله ( لئلا يوحش أبا مسلم أو يوجد لأهل خراسان حجة ) .
موقف أبو العباس من أبي مسلم الخراساني
اشتد نفوذ ابو مسلم الخراساني واشتد بأسه بعد الانتصارات التي حققها في المشرق حتي أصبح في نظر أهل خراسان زعيما دينيا ومنقذا لهم ، وقد حث ابو جعفر أخاه علي التخلص من أبي مسلم في أقرب فرصة لأنه يشكل خطرا علي الدولة ، وكتب إليه يقول: (لست بخليفة ما دام أبو مسلم حياً) .
وكان ابو مسلم قد شرع بتصفية منافسيه من الدعاة وشيوخ القبائل في خراسان، فقتل ( شيبان الحروري وسليمان بن كثير الخزاعي وعلي ابن جديع الكرماني وأخيه عثمان بن جديع الكرماني ) ولاحظ بن قريظ التميمي الذي كان يمت بصلة النسب إلي سليمان بن كثير ، وهو أحد أعضاء مجلس النقباء في خراسان .
ولم يقف نفوذ أبي مسلم عند هذا الحد بل صار يتخذ القرارات التي تتعارض مع أوامر الخليفة نفسه، حيث قام بقتل والي فارس الذي عينه ابو العباس وعين بدله واليا جديدا ، وهكذا لم يعد الخليفة يتحمل سلطة ابي مسلم وتصرفاته ، فعزم علي التخلص منه .
وروي الطبري أن أبا العباس أرسل إلي زياد بن صالح والي بلاد ما وراء النهر محرضا إياه علي أبي مسلم( وأمره إن رأي فرصة أن يثب علي أبي مسلم فيقتله) ، فأعلن زياد الثورة علي أبي مسلم سنة ١٣٥هـ وأظهر ( كتابا من أبي العباس بولايته علي خراسان ) إلا أن أبا مسلم تمكن من القضاء علي هذه الثورة .
واستمر ابو جعفر في تحريض أخيه علي ضرورة التخلص من أبي مسلم، ويبدوا ان أبا العباس لم يقدر علي اتخاذ قرار حاسم ضد أبي مسلم كي لا يثير أهل خراسان في هذه المرحلة المبكرة من تاريخ الخلافة العباسية، وتوفي أبا العباس تاركا أمر أبي مسلم لأخيه المنصور من بعده .
وفاة أبي العباس
استمرت خلافة ابي العباس أربع سنين وتسعة أشهر حيث أدركته الوفاة في ذي الحجة من سنة ١٣٦هـ، وكان قبل وفاته قد جعل ولاية العهد من بعده لأخيه أبي جعفر ثم لعيسي بن موسي ، مقتضيا في ذلك سياسة الامويين في توريث العهد لأكثر من واحد .