نتائج النهضة الأوروبية الحديثة

قضت النهضة الأوروبية علي الماضي قضاء لا مرد له ، وانتقل الناس إلي عالم جديد في أفكارهم ومعيشتهم ، وأصبحوا يرغبون في التمتع بالحياة وملاذها بعد حياة الزهد والتقشف التي كانت سائدة في العصور الوسطى، ومن نتائج النهضة الأوروبية الحديثة ما يلي :-
١- قيام الأمم الحديثة.
إن فكرة العصر الحديث عن معنى الدولة والأمة ، لم تكن مفهومة في العصور الوسطى كما نفهمها ، فالأمم الحديثة كالأمة الفرنسية والإنجليزية والأسبانية وغيرها ، لم تكن إذ ذاك إلا في دور التكوين ، ولم تفقه إلي شخصيتها المستقلة ووحدتها الظاهرة وكيانها الواضح ، إلا في أواخر تلك العصور، فعلماء النظريات السياسية في العصور الوسطى، كانوا يعتقدون أن المسيحية تكون دولة واحدة ، يحكمها البابا والإمبراطور، بتفويض من الله تعالي ، الأول في الشئون الدينية، والثاني في الشئون الدنيوية ، ولذا وجب علي كل الملوك إطاعتهما .
ولم يفكر احد في نظام حكومي آخر أفضل من هذا ، فلما ظهرت النهضة بدأ الناس يفكرون في النظم الحكومية، وجاءت النظرية التي تقول بأن مهمة الحكومة هي السهر علي مصالح الأمة ، فبدأ الناس يعتقدون أن أصلح الحكومات أقدرها علي أداء هذه المهمة ، وبذلك بدأ ما نسميه بالعلوم السياسية .
وظهر (مكيافيللي ) الإيطالي بآرائه السياسية في كتابه (الأمير) وخلفه (سير توماس مور) الإنجليزي، وصور دولة خيالية في كتابه (يوتوبيا) Utopia .
علي أن فكرة العصور الوسطى، كانت فكرة نظرية غير عملية ، وفشل الحروب الصليبية التي كان من أهم عوامل فشلها عدم وحدة المسيحيين والتفرق والتنازع والتنافس الذي حدث بين جماعاتهم، مما يدل علي عدم وجود أي شعور أو إحساس لتحقيق هذه الفكرة .
ولعل من أهم نتائج النهضة، إنهيار آمال الباباوات في إرغام الملوك علي الخضوع لسلطانهم ، بما اوجدته في الشعوب المختلفة من الشعور بالوطنية والحرص علي الإستقلال، فلم يسمحوا لأي سلطة خارجية بالتدخل في شئونهم ، ولو كانت سلطة البابا نفسه ، فلم يأت آخر القرن الخامس عشر، حتي اكتملت شخصية الأمم الحديثة، وبدت واضحة بكيانها القومي المستقل .
٢- القضاء علي نظام الإقطاع.
كان نظام الإقطاع سائدا في أوروبا في العصور الوسطى، وهو نظام زراعي حربي تقوم فيه العلاقات بين الطبقات ، من حقوق وواجبات ، علي أساس استغلال الأراضي الزراعية، في حين أن الصناعة ، وهي من أهم القوي في العصر الحديث، كانت مهمله ، ولا مكان لها فيه .
ويرتبط بهذا النظام (نظام الفروسية) الذي كان يقوم علي إنتماء الفرسان من اية دولة كانت إلي هيئات حربية دينية ، وهو نظام بعيد عن الروح الوطنية، ولا يعترف بمبادئ القومية ، مثله في ذلك مثل المسيحية نفسها ، فكان بين الفارس الألماني والفارس الفرنسي من الصلة والمودة ، ما لم يكن بين كل منهما ومواطنيه .
فبإنحلال النظام الإقطاعي، ظهرت المدن الكبيرة ، وأخذت تكون شخصيتها ، وتزيد من ثروتها، بإشتغال سكانها بالتجارة والصناعة، مما أدي إلي ظهور طبقة جديدة، هي (الطبقة الوسطى ) التي سكنت المدن ، وكان لها نفوذها السياسي ، وبذلك أصبحت المدينة مركز الإجتماع ، بدلا من قلعة الإقطاع .
٣- ظهور الفرد .
لم يكن الفرد في العصور الوسطى أصل المجتمع Social Unit كما هو الحال الآن ، وإنما كان يتمثل ذلك في الجماعة أو الطائفة أو النقابة ، وما شاكل ذلك، فالمرء كفرد لم يكن له وزن أو إعتبار ، وإنما كان له شأنه كتابع أو جزء من الهيئة التي ينتمي إليها .
ولذلك لم يكن هناك مجال لنشاط المرء كفرد ، ولا فرصة للظهور والبروز في المجتمع ، وبالتالي لم تتهيأ له الظروف لإبراز شخصية مستقلة، لها حرية الرأي والتصرف ، والطريقة الوحيدة التي كانت أمام رجل طموح يبغي الوصول إلي الرفعة والشهرة ، هي انخراطه في سلك أكبر الطوائف حينذاك وهي الكنيسة.
أما في عصر النهضة، فقد ظهر الفرد بنفسه في المجتمع وأصلح بالتدريج أصله ، بعد أن كانت الجماعة أو الهيئة ، وبذلك تمهل السبيل أمام الفرد ، لإظهار عبقريته واستغلال مواهبه كما يشاء .
اقرا ايضا: عصر النهضة الحديثة في أوروبا.